كيـف تموّلـين مشروعـك؟

التّحدّث عن تمكين المرأة بالرّيادة والابتكار، لا يُمكن أن يكون بعيداً عن آليّات المؤسّسات للنّهوض بعمل المرأة. والقروض التي تُمنح للسّيّدات هي أوّل الطّريق نحو مسيرةٍ ناجحةٍ من الأعمال الخاصّة بما فيها التّأسيس أو المشاركة في الإنتاج.

بعامّة، يُمكن تبسيط تلك المسألة بالتّحدّث عن قروضٍ لمشاريعَ صغيرةٍ ومتوسّطةٍ بفوائدَ ميسّرةٍ وسهلة، والتّحدّث أيضاً عن تقديم المال والتّشجيع على الاستمراريّة وحثّ النّساء الرّيفيّات على الإنتاج. لكن في الحقيقة غالباً ما يتخلّل الواقع الكثير من التّعقيدات التي تترافق مع دور البنوك في تقديم القروض، وهو ما كان مادّةً للنّقاش بين المشاركين في الجلسة الثّانية تحت عنوان «تعزيز الحصول على التّمويل»

تجاربُ ناجحة

إنّ أبرز تلك التّعقيدات هي البطالة، وعدم الثّقة المُطلقة بدور المرأة، والتّمييز بين القروض المُعطاة للرّجال وتلك المخصّصة للسّيّدات، والتّشريعات والقوانين، وغياب البيئة الحاضنة والدّاعمة للرّيادة، وغيرها من المشاكل. وممّا لا شكّ فيه أنّ الواقع يفترض وجود الكثير من المشاكل، ولكنّه أيضاً يشهد على تجاربَ ناجحةٍ لسّيداتٍ بدأنَ أعمالهنّ بقروضٍ من المصارف من جهة، ومصارفَ أخذت على عاتقها تقديم التّسهيلات من أجل تعزيز دور المرأة في عالم الأعمال من جهةٍ أخرى، بحيث علمت أنّ مستقبل السّوق في المراحل المُقبلة سيشهد على حقبةٍ جديدةٍ يكون فيها للنّساء الدّور الأبرز في الاقتصاد العربيّ والعالميّ. والأمثلة على ذلك كثيرة، وفي لبنان تُعدّ تجربة البنك اللّبنانيّ للتّجارة «BLC bank»، رائدةً في هذا المجال في برنامج «WE INTIATIVE»، الذي ساهم في تمكين المرأة ودعمها اقتصاديّاً وخَلَق نظاماً بيئيّاً سـاهم في نجاحها. ولا يقوم البرنامج على دعم المرأة ماليّاً فحسب، بل أيضاً يُقدّم لها الخدمات غير الاقتصاديّة مثل ورش العمل التّدريبيّة، ونصائحَ وتوجيهاتٍ لإدارة الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة الحجم.

60%من المشاريع كانت لسيّدات لأنّّ لديهنّ قدرةً على التّواصل أكثر من الرّجال
القروض للرّجل؟!

«من المهمّ أن تكون البداية من فكرةٍ صغيرة». هذا ما يراه نجيب شقير، مدير إدارة المصارف في مصرف لبنان، الذي نوّه بالجهود التي آلت إلى أن نكون أمام فورةٍ من قروض العمل للسّيدات وليس فقط القروض الشّخصيّة. لكنْ من التّحدّيات الكبيرة التي تواجه الاقتراض، أنّ الكثير من البنوك تفضّل إعطاء القروض للرّجال لأنّ المخاطرة أقلّ على الرّغم من أنّ الأرقام تُظهر أنّ التزام المرأة أكبر من الرّجل. ووفق الدّكتورة سحر نصر، مديرة المشروعات في مجموعة البنك الدّوليّ، فإنّ المرأة تواجه تحدّياتٍ أخرى كبيرةً في أن تكون مستثمرةً أو أن تحصل على فرصةٍ للاقتراض «حيث إنّ المناخ الاستثماريّ بعامّةٍ يواجه الصّعوبات حاليّاً». ونذكر هنا أنّ المسح الأخير للبنك الدّوليّ الذي جرى على 99  دولة، بيّن أنّ أكثر القطاعات التي تستحوذ على السّوق هي فرص عمل المشروعات الصّغيرة والمتوسّطة، وعادةً تكون محفّزة  للمرأة أكثر من المشاريع الكبيرة.

 

نقلةٌ نوعيّة

المرأة هي المفتاح لقطاعاتٍ عدّة. نعم، وذلك لأنّها تُسيطر على نسبٍ كبيرةٍ من قرارات الشّراء للأسرة وأمورٍ كثيرة. هذا ما قالته ناديا السّعيد، وزيرة الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات السّابقة، والرّئيسة التّنفيذيّة في بنك الاتّحاد الأردن، التي شدّدت على أنّ الحلّ يكون في الرّيادة وإنشاء شركاتٍ صغيرةٍ ومتوسّطة، آملةً أن يتطلّع الجميع إلى توفير حلولٍ مصرفيّةٍ شاملةٍ وخدماتٍ ماليّةٍ للسّيدات. وهذا ما يقوم به منذ سنواتٍ «BLC bank» الذي آمن بالمرأة وبقدراتها. فـ جو بدور، المدير العامّ المساعد في البنك اللّبنانيّ للتّجارة عن برنامج مبادرة «WE INITIATIVE»، لفت إلى أنّ تجربة البنك أدّت إلى نقلةٍ نوعيّةٍ في عالم الأعمال للسّيّدات. لافتاً إلى أنّ المرأة إذا نجحت لا تنسى مَن ساهموا في نجاحها، وتكون حريصةً على الاستمرار في العمل معهم، ما يوفّر النّجاح المتبادل والصّدق في العمل.

المرأة إذا نجحت لا تنسى مَن ساهموا في نجاحها
التّوجيه والتّعليم قبل التّمويل

 

ومن التّجارب النّاجحة لشركاتٍ أسّستها سيّدات، شركة «شهيّة» التي ذكرتها كريستينا شحادة مديرة  شركة «أنديفر»، لبنان، التي أسّستها امرأةٌ وباعتها إلى شركةٍ يابانيّة، وبحسب شحادة «المهمّ أن يكون العمل قويّاً والخطط المستقبليّة موضوعة بطريقةٍ سليمة. والتّمويل ليس الأهمّ بل هناك أيضاً التّوجيه والتّعليم وتقديم النّصائح، وكيفيّة التّعامل مع كلّ الظّروف ومساعدة السّيّدات في توسيع نشاطهنّ».

مع كلّ تلك النّجاحات، يجب ألاّ ننسى أنّ هناك نسبةً كبيرةً من بطالة الشّباب في العالم، «ولو أُعطيت الأموال للرّياديّين لكان هناك تحوّلٌ مهمّ، فشبابٌ كثيرون لديهم الطّموح ولكن قواهم لا تُغذّى بالغذاء المناسب» يقول عبدالله عبسي، الرّئيس التّنفيذيّ لـ «زومال»، لافتاً إلى أنّ 60 بالمئة من المشاريع التي خُلقت أخيراً كانت لسيّدات، «وذلك لأنّ لدى المرأة قدرةً أكبر على التّواصل والإقناع أكثر من الرّجال... ويبقى الأهمّ أن يكون هناك طريقٌ لتوفير المال الاستثماريّ».

مقالات قد تثير اهتمامك