أشكال التعلّق بالشريك وتأثيرها على السّعادة بينكما

بحرارة، ببرودة، بثقة، بقلق، بشغف، بجنون... جملةٌ من الكلمات التي نستعملها لنُعبّر عن نمط تعلّق الشّريك بنا وعن مدى قدرة هذا النّوع من التّعلّق على بعث الرّضا فينا والاطمئنان من ناحية، أو النّفور وعدم الأمان من ناحيةٍ أخرى.

كلّ واحدٍ منّا لديه نمطٌ معيّنٌ من التّعلّق بالشّريك، يُترجَم بمشاعرَ وتوقّعاتٍ وتصرّفاتٍ معيّنةٍ تجاه الذّات  والآخر. فمن أين يأتي هذا النّمط من التّعلّق، وهل يُمكن تقسيم هذه الأنماط إلى فئاتٍ محدّدة؟ وهل يُمكن أن يتغيّر نمط التّعلّق عند الشّخص؟ وكيف؟

  أظهرت دراساتٌ نفسيّةٌ أنّ كلّ شخصٍ يتكوّن لديه نمط التّعلّق منذ طفولته نتيجة ثلاثة عوامل: التّكوين الوراثيّ الذي يؤثّر في الطّبع، والتّفاعل والخبرات السّلبيّة أو الإيجابيّة ضمن المحيط، وبخاصّةٍ في العلاقة مع الأهل ولا سيّما مع الأمّ، ومدى قدرتهم على التّعبير وتحسّس حاجات الطّفل.  

واستناداً إلى تجربةٍ علميّة قامت بمراقبة ردّات فعل الأطفال عند غياب الأمّ وحضورها في وقتٍ محدّد، لوحظت أربع ردّات فعلٍ مختلفةٍ عند الأطفال، تعكس كلّ واحدةٍ منها نمط تعلّقٍ محدّد. ثلثان من الأطفال بَرهَنا  نمط تعلّقٍ آمنٍ يُعبّر عن شعورهما بالثّقة والحماية وقدرتهما على التّأقلم والانفتاح على المحيط الخارجيّ، أمّا الثّلث الباقي من الأطفال فبرهنَ نمط تعلّقٍ غير آمنٍ عند غياب الأمّ وحضورها، يُعبّر عن عدم القدرة الكافية على الشّعور بالحماية والتّواصل واكتشاف المحيط. ويُمكن تقسيم هذا الثّلث الأخير من الأطفال إلى ثلاث فئات: القَلِق، والمُتجنّب، والخائف. ممّا يجعلنا نستنتج أنّ تكوين شبكة أمانٍ عند الطّفل أو عدم تكوينها، ولا سيّما في علاقته مع أمّه، سوف يُمثّل له مرجعاً يُحتمّ إلى حدٍّ بعيدٍ خياراته العاطفيّة والنّمط العلائقيّ الذي سوف يعتمده في المستقبل مع شريك الحياة.

في المراهقة والبلوغ يُمكن اختصار الأنماط العلائقيّة، بحسب الفئات الأربع، بالآتي:

الواثقون نادراً ما يطلّقون...

هم الأغلبيّة بين الفئات الأربع. لديهم صورةٌ إيجابيّةٌ عن ذاتهم وعن الآخرين، وهم منفتحون على العالم، ويُقدّرون ذاتهم ولا مانع لديهم من الاتّكال على الشّريك. يشعرون أنّهم يستحقّون حبّ الآخر، ويبنون العلاقة معه بثقةٍ وعاطفةٍ بنّاءةٍ ويستمتعون في إمضاء الوقت مع الشّريك والقيام معاً بنشطاتٍ مشتركة. يستمرّون طويلاً في الزّواج ونادراً ما يطلّقون، لأنّهم يمتلكون ليونةً كبيرةً في إدارة الخلافات إدارةً إيجابيّة، والتّعامل بموضوعيّةٍ مع ردّات الفعل السّلبيّة للشّريك، ولديهم قدرةٌ على الإصغاء والتّعبير عن حاجاتهم بسهولة. يتعاملون بانفتاحٍ واحترامٍ في العلاقة الجنسيّة، وهم قادرون على العيش وحدهم وعلى إنهاء علاقةٍ غير مُرضيةٍ لهم.

القلقون... العلاقة الجنسيّة وسيلتهم للحفاظ على الآخر

تضمّ هذه الفئة الرّجال والنّساء؛ ولكنْ النّساء بنسبةٍ أكثر بقليل. لديهم صورةٌ سلبيّةٌ عن ذاتهم، ولكنْ إيجابيّةٌ عن الآخرين. يُظهرون اتّكاليّةً كبيرةً على الآخر ويدعمون الشّريك بمبالغة. هم يشعرون أنّهم لا يستحقّون الحبّ، وأنّ لديهم حاجةً دائمةً إلى طمأنةٍ من الشّريك وتعزيزٍ مستمرٍّ للشّعور بالأمان. يتقلّبون عاطفيّاً، ولديهم حساسيّةٌ مُفرطةٌ وخوفٌ كبيرٌ من أنّ الآخر قد ينفصل عنهم وأنّ حبّه لهم لن يستمرّ، ويسألون ويتساءلون باستمرارٍ عن مصير العلاقة، ويُفسّرون سلبيّاً أدنى تقصيرٍ في التّصرّف أو الدّعم. هم غالباً غير راضِين عن العلاقة، ولكنّهم يجدون صعوبةً في الانفصال، لأنّهم يخشون البقاء وحدهم. يتوتّرون كثيراً عند حدوث أيّ خلاف، ويتعاملون معه بسلبيّةٍ من دون إظهار قدرةٍ كافيةٍ على الإصغاء. يُمكن أن يلجأوا إلى الهجوم، والعُنف، والانتقاد، وأسلوب السّيطرة من أجل أن يستردّوا الشّريك. العلاقة الجنسيّة بالنّسبة إليهم هي وسيلةٌ بالدّرجة الأولى للحفاظ على الآخر خوفاً من فقدانه.

المتجنّبون يخشون العلاقات الحميمة جدّاً

تضمّ هذه الفئة الرّجال والنّساء؛ ولكنْ الرّجال بنسبةٍ أكثر بقليل. لديهم صورةٌ إيجابيّةٌ عن ذاتهم، ولكنْ سلبيّةٌ عن الآخرين. إنّهم غير واثقين من قدرة الآخر على تلبية احتياجاتهم، ويكترثون قليلاً لحاجات الآخر، لذلك هم يخشون العلاقات الحميمة جدّاً ولا يكشفون سوى القليل عن ذاتهم ولا يعتمدون على الآخرين. يُفضّلون الاستقلاليّة والمحافظة على مسافةٍ عاطفيّةٍ مع الشّريك، ويُفضّلون التّألّم وحدهم على إظهار ضعفهم، خوفاً من التّعرّض إلى جرحٍ أو صدمةٍ محتملةٍ من الآخر، ممّا يجعلهم عُرضةً أكثر للأمراض نظراً إلى كبتهم الدّائم لعواطفهم. يُفضّلون العلاقة الجنسيّة على العلاقة الحميمة التي تتطلّب إظهار العطف والحنان والفرح،   ويستطيعون الانفصال بسهولةٍ عن علاقةٍ غير مناسبةٍ أو علاقةٍ تتطلّب التزاماً كبيراَ. يتحاشون الخلافات ولديهم صعوبةٌ في إدارتها إيجابيّاً، ويُمكن أن يُصبحوا عِدائيِّين إذا أصرّ الشّريك على أن يُعبّروا.

الخائفون يتوقّعون دائماً رفض الشّريك لهم

هم الأقليّة بين الفئات الأربع. لديهم صورةٌ سلبيّةٌ عن ذاتهم وعن الآخرين. يشعرون أنّهم غير محبوبِين على الدّوام وليسوا موضع ثقة، ويتوقّعون رفض الشّريك لهم. تسكُنهم مشاعرُ متناقضة، ويرغبون في علاقةٍ حميمةٍ إلاّ أنّهم يخافون من آثارها السّلبيّة في الوقت نفسه. هم غالباً انطوائيّون، وقد يلجأون إلى العنف من أجل حلّ خلافاتهم، ويشعرون بحاجتهم الكبيرة إلى الآخر من دون أن يعلموا كيف يعبّرون عن ذلك. هم لا يثقون بقدرتهم على مساعدة الآخر، ولديهم صعوبةٌ في الاستمتاع بالعلاقة الجنسيّة.

 

(يتبع مع "إدراك نمط التّعلّق الحجر الأساس للتّغيير")

مقالات قد تثير اهتمامك